تسجيل الدخول او يمكنك الدخول باسم المستخدم وكلمة المرور

صيغة الجوال غير صحيحة
    نسيت كلمة المرور


قطر- جريدة العرب-الأربعاء 15 أغسطس 2012م – الموافق 27 رمضان 1433هـ - العدد: 8830

المجتمع ينظر إلى التبرع بالأعضاء «بقلق».. وفتاوى العلماء تتباين

في الآونة الأخيرة طفا على السطح موضوع «التبرع بالأعضاء بعد الوفاة» والذي أصبح بعض الداعين إليه يتجولون في الأماكن العمومية يشرحون للجمهور مزايا التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وما سيحصل عليه المتبرع من خدمات في حياته، كما لو كانوا يقومون بدعاية لأحدث البضائع والماركات العالمية، وقد تباينت آراء الجمهور حول هذا الموضوع بين مؤيد يرى أن تطور العلم على المستوى الطبي يستدعي تقبل الفكرة، بينما يرى آخرون أن مجرد التفكير في الموضوع يصيب المرء بحالة نفسية سيئة، وبين هذا وذاك يجب علينا أن نعلم أنه مع التطور الهائل في مجال الطب ازدادت حاجة البشرية لكل ما من شأنه المساهمة في علاج المرضى بكل الوسائل الممكنة، وتلك التي كانت حتى وقت قريب لا يمكن لشعوب المنطقة مجرد التفكير بها مثل موضوع التبرع بالأعضاء الذي أثار جدلا فقهيا واسعا قبل سنوات خلت، علما بأن بعض كبار علماء المسلمين حسموا رأيهم وأفتوا بحرمة نقل أي عضو من الإنسان بعد وفاته، ومن بين هؤلاء العلماء الشيخ بن باز رحمه الله، لكن علماء آخرون أفتوا بجواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة إذا كانت تساهم في إنقاذ شخص لا يزال على قيد الحياة، فهل الضرورة اليوم تبيح للمسلم التبرع بأعضائه بعد الوفاة قياسا على تبرعه بدمه وكليته في حياته؟
بداية لا أعتقد أن مسلما سويا يمكن أن يقدم وعدا بالتبرع بأعضائه بعد وفاته مهما كانت الظروف والأسباب، فمن الناحية الإنسانية المحضة يستحيل علي كإنسان أن أجعل تفكيري ينشغل بكيفية نزع أعضائي وأنا ميت، فمجرد التفكير بهذا يسبب هوسا نفسيا. هذا ما بدأ به عبدالله عبدالعزيز، وأضاف: في الحقيقة كلما تقدم بنا العمر نسمع عن أشياء لم تكن تخطر على بالنا، ولم يكن يراودنا أدنى تفكير في القيام بها، لكن مع تطور الحياة والتقدم العلمي، خصوصا على صعيد الطب وتلاقي الحضارات وتشابك الشعوب بعضها ببعض أصبحنا نسمع ونرى أمورا في بلداننا لم نكن نعتقد أنها حقيقة، فمن كان يظن أنه سيرى أناسا يقدمون دعاية وإعلانات في الأسواق والمجمعات التجارية الكبيرة يحثون فيها الجمهور على التبرع بالأعضاء مقابل الحصول على مزايا للمتبرع في حياته كالتأمين الصحي وغيره؟! لا أعتقد أنه حتى وقت قريب كانت هذه القضية مطروحة عندنا بهذه الجدية اليوم.
وفيما يتعلق برأيه الشخصي حول هذا الموضوع -يضيف عبدالله- فإنني لا أؤيد تبرع الإنسان بأعضائه، خصوصا المسلم الذي يفكر دائما بالموت ويعلم أن دينه يحثه على احترام الإنسان حيا وميتا، وتقطيع الإنسان وبتر أطرافه بعد مماته ينافي ذلك الاحترام، فإذا كانت الإنسانية السليمة تعاف وتعيب على البشر الاعتداء على قتلى الحروب والنزاعات، وتصف سحل الجثث أو العبث بها من الجرائم الإنسانية، فكيف ترى تقطيع أوصال ميت وبتر أعضائه ليتم تركيبها إلى شخص آخر، وكأن الإنسان أصبح عبارة عن سيارة «خردة» يمكن نقل جزء منها لسيارة أخرى، هذا شيء التفكير فيه مقزز للغاية، وبالتالي لا أعتقد أن هذه الفكرة ستجد رواجا في قطر أو غيرها من دول الخليج؛ لأن المسلم العاقل لن يتبرع بأعضائه مهما كانت الدوافع.
ضرورة تمليها ظروف العصر
أما مشاري عبدالله فيرى أن التبرع بالأعضاء أصبح ضرورة تمليها المصلحة العامة للمسلمين، ولا تختلف عن التبرع بالدم أو التبرع بالكلية في حياة الإنسان، فما الذي يضره لو تبرع بأحد أعضائه وهو ميت لإنقاذ نفس حية ليس بينها وبين الحياة سوى إيجاد أحد الأعضاء الحيوية، هذه هي النظرة التي يجب علينا أن ننظر إلى الموضوع بها لا أقل ولا أكثر؛ لأنه من غير المعقول أن نظل عالة على الآخرين في كل شيء حتى في مجال التبرع بالأعضاء التي أصبحت لها بنوك في العالم المتقدم، وعليه فإنني أعتقد أن الحواجز التي تحول بيننا وبين هذه الفكرة وضرورة تبنيها لا تعود إلى الدين بقدر ما تعود إلى التخلف الصحي الذي ما زال ضاربا بأطنابه في الدول العربية، فلو كانت بلداننا متقدمة في مجال الطب لتقدم تفكيرنا على هذا الصعيد، لكن للأسف عندما نعجز عن اللحاق بركب التقدم العالمي نتخذ من الدين ساترا نحتمي به، والدين الإسلامي دين يحث على العلم والتقدم البشري، ولا يمكن أن يقف حاجزا دون ذلك، فكثيرة هي الآيات القرآنية التي تحث على أعمال الفكر والبحث، لكن نحن من يعطل العمل بهذه الآيات بحجج واهية أحيانا، من هنا أدعو من لديه الرغبة في التبرع بأعضائه بعد وفاته إلى المسارعة بذلك؛ لأنه بفعله هذا يمكن أن يحيي نفسا أو يضع لبنة في مجال البحث العلمي المتعلق بالطب لإسعاد المسلمين وبقية البشرية.
التبرع بالأعضاء حرام
يذكر أن بعض العلماء قد حرم التبرع بالأعضاء بعد الوفاة عملا بحرمة المسلم حيا وميتا، مستندا إلى أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الشيخ بن باز رحمه الله، ومنهم من أجاز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة قياسا على التبرع ببعض المال الذي يحق للميت أن يوصي به، وهنا أنقل فتوى الشيخ يوسف القرضاوي حول الموضوع، فقد أجاز فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عمليات زراعة بعض الأعضاء حال حوادث الوفاة والتوصية بذلك، مستثنيا بعض الأعضاء مثل المخ أو الأعضاء ذات العلاقة بالموروثات والأنساب (الخصية والمبيض).
وأوصى الشيخ القرضاوي -في بحث علمي قدمه إلى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بمصر خلال مارس الماضي- بالتبرع بالأعضاء حال حدوث الوفاة (في الحوادث) والتوصية بذلك في حياتهم؛ لينتفع بها الناس وفق شروط شرعية وطبية يحددها المختصون من علماء الشريعة ولجنة طبية مختصة مأمونة.
الصدقة بالبدن أعظم
وبعد عملية استقراء دقيق لقرارات مجامع فقهية وفتاوى علماء من السلف والخلف التي تدارست موضوع «زراعة الأعضاء»، قال الشيخ القرضاوي: إن «الصدقة ببعض البدن أعظم أجرا من الصدقة بالمال وفق الشروط التي وضعها الأطباء، فقد اشترطوا لقبول الكُلية من المتبرع ألا يزيد عمره عن (55-60) سنة، ولقبول القلب للزرع ألا يتجاوز الخمسين عاما، وهذه صدقة عظيمة، للمتبرع أجرها وثوابها، وهي صدقة موقوتة بحياة الشخص المتبرع له، ولكنها صدقة لها قدرها عندالله».
وأضاف موضحا: «كما يجوز للإنسان التبرع بجزء من ماله لمصلحة غيره ممن يحتاج إليه، بل يستحب له ذلك ويثاب عليه، فكذلك يجوز له التبرع بجزء من بدنه لمن يحتاج إليه، بل يستحب له ذلك ويثاب عليه».
وأوضح الفرق بين الصدقتين (بالمال وببعض البدن) قائلا: «إن الإنسان قد يجوز له التبرع أو التصدق بماله كله، ولكن في البدن لا يجوز التبرع ببدنه كله، بل لا يجوز أن يتبرع المسلم بعضو وحيد من بدنه كالقلب والكبد، أو بعضو يضره التبرع به؛ لأنه لا يجوز له أن يزيل ضرر غيره بضرر نفسه؛ لأن القاعدة المتفق عليها أن الضرر لا يُزال بضرر مثله أو أكبر منه».
واعتبر الشيخ القرضاوي نقل بعض الأعضاء (الكلية، القرنية، القلب)، لونا من «الإيثار» المحمود، الذي يؤجر عليه من فعله؛ لأنه رحم من في الأرض، فاستحق رحمة من في السماء، ولذلك فإزالة ضرر يعانيه مسلم مثل الفشل الكلوي، بأن يتبرع له متبرع بإحدى كليتيه السليمتين، عمل مشروع ومحمود.
واستبعد الشيخ القرضاوي أن يكون نقل الأعضاء من جسم الميت نوعا من»التمثيل به»؛ لأن العملية لا تتنافى مع ما هو مقرر من حرمته شرعا؛ لأن حرمة الجسم مصونة غير منتهكة، والعملية التي تجرى له كما تجرى للحي بكل عناية واحترام دون مساس بحرمة جسده.
واستدل بإجازة العلماء كافة لتشريح جثة الميت في حالة القتل أو الاشتباه في ذلك؛ ليعرف الطب الشرعي أسباب الوفاة، ويترتب على ذلك آثار مهمة في معرفة الجاني، والحكم عليه بما يستحق، وأيضا إجازة التبرع بالدم.
شروط التصدق بالأعضاء
وبعد أن عرض لحيثيات إصدار رأيه الشرعي في المسألة المتجددة والاستدلال بآراء علماء متقدمين ومعاصرين وقرارات المجامع الفقهية المشهود بعلميتها، أكد القرضاوي أنه يجوز أن يتبرع المسلم لشخص معين لإنقاذ حياته بقيود، كما يجوز له أن يتبرع لمؤسسة مثل بنك خاص بذلك، يحفظ الأعضاء بوسائله الخاصة لاستخدامها عند الحاجة.
واشترط رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عشرة شروط يجب مراعاتها بعد إصدار تقرير طبي يثبت الموت الدماغي للمتوفى (موت جذع المخ)، وهي:
1- أن يكون المأخوذ منه مكلفا (أي بالغا عاقلا) مختارا غير مكره إكراها ماديا أو أدبيا.
2- ألا يكون من الأعضاء الوحيدة في الجسم مثل القلب والكبد؛ لأنه لا يستطيع أن يعيش إلا بها.
3- ألا يكون عضوا يضر بالإنسان أخذه من جسمه ضررا بليغا، كالأعضاء الظاهرة من الإنسان، وإن كانت مزدوجة كالعين واليد والرجل ونحوها؛ لما فيه من تعطيل المنفعة وتشويه الصورة.
4- ألا يكون من الأعضاء الناقلة للموروثات مثل الخصية للرجل، والمبيض للمرأة.
5- ألا يكون العضو من العورات المغلظة (القبل والدبر) التي يحرم النظر إليها ولمسها حية أو ميتة.
6- ألا يكون النقل عن طريق البيع والمعاوضة، بل عن طريق التبرع الخالص من الحي، ولا مانع من المكافأة أو الهدية بدون شرط.
7- أن تكون هناك وصية من الميت أو إذن من أهله أو قانون من ولي الأمر بالتبرع بما يصلح أخذه من جسده بعد إصابته في حادث وموت دماغه، وإن بقي قلبه ينبض، وهذا ما لم يكن هناك منع من صاحب العضو.
8- ألا يترتب عليه ضرر للمتبرع ولا لأحد له عليه حق.
9- أن تتعين هذه الوسيلة لإنقاذ المريض، ولا توجد وسائل أخرى تغني عنها.
10- أن يغلب على الظن أنه ينفع المتبرع له ويسهم في علاجه وفق سنن الله في الكون والحياة.
البيع والميراث في الأعضاء
وأشار الشيخ القرضاوي إلى أن القول بجواز التبرع بالأعضاء لا يقتضي القول بجواز بيعها؛ لأن البيع كما عرفه الفقهاء: مبادلة مال بمال بالتراضي. وبدن الإنسان ليس بمال حتى يدخل دائرة المعاوضة والمساومة، وتصبح أعضاء الجسد الإنساني محلا للتجارة أو البيع والشراء، كأنها (قطع غيار) للسيارات والأجهزة المختلفة.
وعبر القرضاوي عن أسفه لما يحدث في بعض الأقطار الفقيرة، حيث قامت سوق أشبه بـ»سوق النخاسين» لشراء أعضاء الفقراء والمستضعفين من الناس لحساب الأغنياء، ودخلتها (مافيا) جديدة تنافس (مافيا) المخدرات، لاسيما في البلاد الشرقية في آسيا وإفريقيا ذات الأكثرية الساحقة من ذوي الدخل المنخفض.
غير أن الشيخ القرضاوي لم يمنع تقديم مكافأة للمتبرع إن كان حيا من مال الدولة ولورثته إن كان ميتا؛ لأن بدن المتوفى بمثابة «ميراث» لأهله مثل ماله.
وذهب الشيخ القرضاوي إلى أنه «لا مانع من تبرع الورثة ببعض أعضاء الميت، مما يحتاج إليه بعض المرضى لعلاجهم كالكلية والقلب والكبد والقرنية ونحوها، بنية الصدقة بذلك عن الميت، وهي صدقة يستمر ثوابها ما دام المريض المتبرع له منتفعا بها».
وأوضح أن «الميت بعد موته لم يعد أهلا للملك، فكما أن ماله انتقل ملكه إلى ورثته، كذلك يمكن القول بأن جسمه قد أصبح من حق الأولياء أو الورثة، ولعل منع الشرع من كسر عظم الميت أو انتهاك حرمة جثته، إنما هو رعاية لحق الحي أيضا، كما هو رعاية لحق الميت».
وقد جعل الشارع للأولياء الحق في القصاص أو العفو في حالة القتل العمد، وإنما يمنع الورثة من التبرع إذا أوصى الميت في حياته بمنع ذلك، فهذا من حقه ويجب إنفاذ وصيته فيما لا معصية فيه.
وقياسا على هذا الاجتهاد أعطى رئيس اتحاد علماء المسلمين الحق للدولة في التصرف ببدن الميت المجهول الأهل، واستصدار قانون ينظم هذه الاستفادة، وقال: «أعتقد أنه لا مانع أيضا من جواز ذلك، بناء على قاعدة أن السلطان ولي من لا ولي له، ولهذا إذا لم يكن للميت عصبة ولا ذوو رحم فإن تركته تؤول إلى بيت المال، وهذا الجواز في حدود الضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، على أن يستوثق من عدم وجود أولياء للميت، فإذا كان له أولياء وجب استئذانهم،
وألا يوجد ما يدل على أن الميت قد أوصى بمنع ذلك ورفضه».
وأجاز الشيخ القرضاوي الوصية بجزء من بدن المتبرع، وقال: «إذا جاز للمتبرع التبرع بذلك في حياته، مع احتمال أن يتضرر بذلك -وإن كان احتمالا مرجوحا- فلا مانع من أن يوصي بذلك بعد موته، إذا أصابته حادثة قدر فيها انتهاء أجله، فتؤخذ منه الأعضاء الصالحة للنقل، مثل القلب والكبد والكلية والرئتين والقرنية ونحوها، مما قرر الأطباء نفعه للغير».
وأضاف موضحا: «فهذا مشروع ومطلوب؛ لأن في ذلك منفعة خالصة للغير دون احتمال أي ضرر عليه؛ فإن سنة الله في هذه الأعضاء أن تتحلل بعد أيام ويأكلها التراب، وإذا أوصى ببذلها للغير قربة إلى الله تعالى فهو مثاب ومأجور على نيته وعمله، ولا دليل من الشرع على تحريم ذلك، والأصل الإباحة إلا ما منع منه دليل صحيح صريح».

قانون رقم (21) لسنة 1997 بشأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية
مطلوب ضوابط قانونية للتبرع بالأعضاء البشرية
المطالبة بإعادة النظر بقانون نقل وزراعة الأعضاء
قانونية نقل الأعضاء في كتاب جديد
اشهار الجمعية القطرية لزراعة الأعضاء قريباً
مطلوب ضوابط قانونية للتبرع بالأعضاء البشرية

موقع معروف

صفحتنا على معروف

يسر شبكة المحامين العرب أن تعلن عن إطلاق " خدمة تحضير الأسانيد القانونية " والتى تقوم على مفهوم جديد لفلسفة الخدمة لدى الشبكة، ذلك من خلال المشاركة والتفاعل مع أعضاء الشبكة الكرام ، من خلال المساعدة في البحث وتأصيل المعلومة القانونية عبر مختصين من مستشاري الشبكة القانونيين.

أضف طلبك