تسجيل الدخول او يمكنك الدخول باسم المستخدم وكلمة المرور

صيغة الجوال غير صحيحة
    نسيت كلمة المرور


قطر - جريدة العرب- الثلاثاء 18 شعبان 1432 الموافق 19 يوليو2011 العدد 8437

بحث لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية:
حماية حقوق الإنسان من صميم المقاصد الشرعية

أكد د.غيث بن مبارك الكواري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تأسيس الحقوق الإنسانية وحمايتها من أي اعتداء من صميم المقاصد الشرعية.
وذكر أن حقوق الإنسان «مؤسِّسةٌ لأخلاقٍ» من خلال القيم الموجبة التي تُشيعها بين المتعارفين عليها العاملين على نشر منافعها.
وأشار سعادته إلى أن العالم المعاصر يشهد صحوة في التدين، وهذه الصحوة الدينية أضحت تستلزم استحضار «الشرائع» في مقاربة المواضيع المطروحة للنقاش.
وقال سعادته إن الإنسان المعاصر صار مؤمناً بعضويته في فضاء المجتمع البشري العام، يتقاسم الحقوق نفسها، ويضطلع بالواجبات نفسها.
وأوضح سعادة وزير الأوقاف أن الإنسان أصبح مستعداً أكثر من ذي قبل للنظر إلى العالم ومقاربة المواضيع المقضة لمضاجعه بمنظار الدين ومقاصد الشرع.
ونبه سعادته إلى أن تعميق الوعي بحقوق الإنسان في الإسلام يتم بشكل سريع عبر «مؤسسة المسجد»، التي تشكل ميداناً يَعْمُرُه المواطنون بشكل طوعي رغبة في الثواب وبحثاً عن استقرار روحي وعن الطمأنينة، وتلبية لنداء الإيمان.
وقال د.غيث الكواري إن الجهود البشرية والتشريعات السماوية يمكنها السير جنباً إلى جنب لتثبيت وحماية هذه الحقوق، عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام: «ولو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت».
جاء ذلك في بحث لسعادته بعنوان «دور المؤسسات الدينية في ترسيخ قيم حقوق الإنسان» بثه موقع الوزارة على الانترنت .
وتنشر «العرب» فيما يلي تفاصيل البحث:
إذا أردنا أن نعرف حقوق الإنسان بشكل بسيط وأولي، جاز لنا أن نقول:
إنها ما ينبغي لهذا الإنسان من أمور تُحقق له «الإنسانية» في دائرة الخير، وتطرد عنه الشر المُخل بوجوده ككائن عاقل مُستخلف في الأرض مسؤول عن أمان الكوكب الذي هو منه وآيلٌ إليه. ويترتب عن تلك الأمور التي تنبغي له، والتي هي حقوقه، أمورٌ سالبة لتلك الحقوق يلحقُه من جراء انتفائها الظلم والخضوع والشر، فيُسلب «الإنسانية».. قيمتَه الساميةَ التي هي سر وجوده ككائن مُستخلف في الأرض.
وحقوق الإنسان «مؤسِّسةٌ لأخلاقٍ» من خلال القيم الموجبة التي تُشيعها بين المتعارفين عليها العاملين على نشر منافعها.
كما أنها مؤسسةٌ على أخلاقٍ سادت بين المجتمعات الإنسانية المجبولة على التعارف في دائرة الخير، والأساس في تلك الأخلاق مصدران:
1- القيم الإنسانية التي اهتدى إليها الإنسان عن طريق العقل، والتمييز بين الخير والشر، والمنفعة والمضرة، والحسن والقبح.. إلخ. فالثورة الفرنسية التي رفعت شعارات الحرية والأخوة والمساواة، سرعان ما دولت تلك الشعارات في صورة حقوق إنسانية عالمية.
2- الشرائع الإلهية السماوية: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}. (المائدة: 48).
ونتذكر أن الإسهام الديني في تأسيس الحقوق الإنسانية وحمايتها من أي اعتداء، من صميم المقاصد الشرعية، وما حلف الفضول الذي تأسس قبل الثورة الفرنسية بقرون للدفاع عن الإنسان وحماية حقوقه ولو في وطن الغربة منا ببعيد، حيث جاء في الحديث: «لو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت». وفيه: «ما أحبّ أن لي به حمر النعم» (سيرة ابن هشام 1/266). وهو تعبير عربي –كما لا يخفى– يفيد الاحتفاء والتقدير للشيء المذكور.
العالم الإسلامي والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان
لما كانت مواثيق وبيانات حقوق الإنسان قد تعددت لتتجاوز مائة إعلان وبيان وميثاق، فقد وجب التذكير منذ البداية بأنها على تعددها مستنسخة بعضها من بعض، وتكاد التحفظات المسجلة عليها تنحصر في نقاط خالفت فيها الشرائع. ففي عالمنا الإسلامي مثلاً، وقع التحفظ على نقطتين اثنتين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ لمخالفتهما الشريعة، ويتعلق الأمر بما جاء في البند السادس عشر الذي يعطي الرجل والمرأة الحق في التزوج متى بلغا سن الزواج، وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الدين، وبالبند الثامن عشر المتعلق بحرية تغيير الديانة أو العقيدة.
لكن موضوع حقوق الإنسان لقي اهتماماً شديداً في العالم الإسلامي، وهو اهتمام تُرجم في بيانات ووثائق عديدة لحقوق الإنسان في الإسلام تعددت وتآلفت، فوسع اللاحق منها ما ورد مقتضباً في سابقها، وانفتح آخرها ليُدرج حقوقاً جديدة تبلورت على الصعيد العالمي مثل ضرورة التسامح، والحق في الاختلاف الفكري وضرورة التنوع الثقافي.. إلخ.
وبالجملة، فقد عكس تعدد البيانات حول حقوق الإنسان في الإسلام رغبة في تفعيل تلك الحقوق في مشاريع تحديث وتنمية البلدان الإسلامية، ما عكس رغبة في مقاربة حقوق الإنسان مقاربةً حقوقية شرعية بعد أن كانت في السابق مجالاً لا يخوض فيه إلا الحقوقيون.
وقد رأيت في هذه الورقة أن أتحدث عن دور المؤسسات الدينية في ترسيخ قيم حقوق الإنسان، وهو موضوع يكتسي نوعاً من الراهنية، ذلك أن العالم المعاصر يشهد صحوة في التدين، وهذه الصحوة الدينية أضحت تستلزم استحضار «الشرائع» في مقاربة المواضيع المطروحة للنقاش.
ويعكس ذلك التعريف الذي أصبح متداولاً للدين الآن، إنه «قوة فاعلة من أجل الخير»، وهو تعريف بقدر ما يعكس وعياً بقوة التدين ووجوب التدين لتحقيق الخير، يعكس وعياً بقوة الدين في درء المخاطر المُحدقة بالإنسان المعاصر، هذا الذي صار خاضعاً إلى أبعد الحدود لما صنعت يداه، مكبلاً بما به أضاع شروط الاستخلاف في الأرض.
وهذا الإنسان الباحث عن ترسيخ حقوقه، يطمح إلى استرجاع موقعه بين الكائنات المستوطنة للأرض، وتخليص نفسه من تَبِعات التطور العلمي والتقني غير المحسوب العواقب، وازداد قناعة بقيمة الإيمان ووجوب الأخلاق وتنمية الروح.
حق الحياة
جاءت المواثيق الدولية واضحة في أن «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه» (المادة 3 من الإعلان العالمي). ونصت الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية أنه «لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي» (المادة 6، والفقرة 1 من الإعلان العالمي). فكذلك كان الأمر في الإسلام، بل لقد ارتقى الإسلام بالحياة إلى أن جعلها مقدساً من المقدسات التي جاء لحفظها والحفاظ عليها، بدءاً من تشريع أسبابها الطبيعية، وصورها الفطرية، فحث على الزواج، وأمر بتأسيس الأسرة، ولا يخفى أن هذا التشريع رقى بهذا الحق فوق كل مرتقى، ورفعه إلى مرتبة المقاصد الضرورية، وذلك من ناحيتين:
* ناحية الحث على كل ما هو في صالح الحياة.
* منع كل ما يهددها أو يضرها.
وفي هذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: «ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم. فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة» (المستصفى: ص174).
وقال أيضاً: «وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح» (المستصفى: ص174).
وما قرر العلماء للحياة هذه المرتبة إلا بناء على النصوص الكثيرة التي بنت بكثرتها للحياة هذه الحصانة التي تحميها وتحفظها وتحقق مصالحها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، فأعادها مراراً، ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت» (البخاري: 65، ومسلم: 3179).
وكما لا تخفى قداسة اليوم الحرام يوم عرفة، ولا الشهر الحرام وهو ذو الحجة، ولا البيت الحرام الذي جعله الله حرماً آمناً، فكذلك نفس الإنسان المسلم من هذه المقدسات التي تستحق الأمان. وقد يبدو لأول وهلة أن الشريعة قدّست النفس المسلمة فقط، بيد أن قول الله تعالى جاء ليفسر لنا أن الحياة كل الحياة مقدسة، سواء كانت حياة مسلم أو غير مسلم، وأخبر عز وجل أن {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: 32). فقاتل نفس كقاتل كل الأنفس، والمقصود من ذلك التشبيه «تهويل القتل، وليس المقصود أنه قد قتل الناس جميعاً» (التحرير والتنوير في تفسير الآية). وهو تهويل يرمي إلى معالجة نفس المُقْدِم على انتهاك هذه النفس؛ لأن «الداعي الذي يُقْدِم بالقاتل على القتل، يرجع إلى ترجيح إرضاء الداعي النفساني الناشئ عن الغضب وحبّ الانتقام على دواعي احترام الحقّ، أي حق الحياة.
ولم تقف الشريعة سعياً منها لحفظ حق الحياة على العلاج النفسي ومناشدة الضمير البشري فقط، إذ وضعت من القوانين الزاجرة والعقوبات الرادعة ما هو كفيل بأن يحمي هذا الحق، كما يدل عليه قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: ١٧٩).
فهذا النص القرآني يحمي حياة الناس، حين يبين لمن تسول له نفسه وتدفعه لحرمان غيره من هذا الحق، بأنه يعرض حياته لما تحرص عليه من حق، وبالتالي فإن «وجوب القصاص على القاتل وحده حياة له وللمعزوم على قتله فيحييان جميعاً» (تفسير العز بن عبدالسلام للآية). إنها حماية لحياة العازم على القتل والمهدد به معاً.
على أن الحياة التي يجب على المكلف احترامها لا تنحصر في حياة الإنسان، وإن كانت هي الأهم، إذ يجب عليه احترام كل حياة، فيحترم حياة الحيوان، ولذلك غفر الله لرجل بسبب كلب أنقذه ليس من الموت، ولكن من العطش، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة» (البخاري: 168، ومسلم: 4162).
وكما رتب على هذا الفعل الحافظ للحياة الثواب والمغفرة في الدنيا والآخرة، فبالمقابل -كما قال عليه الصلاة والسلام-: «عُذِّبت امرأة في هرةٍ ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» (البخاري: 3071، ومسلم: 4160).
وأكثر من ذلك فحياة النبات داخلة في الأمر الإلهي، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلةٌ فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل» (أحمد: 12512، من حديث أنس بسند صحيح).
وهكذا وبموجب هذه النصوص ومثلها كثير، كان طبيعياً أن نجد نص الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان واضح التنصيص على هذا الحق بصيغته الإسلامية، حيث قال: «الحياة هبة الله، وهي مكفولة لكل إنسان، وعلى الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتضى شرعي» (م/ف2).
تلك إذن قيمة الحياة كما قررتها الشريعة الإسلامية، حفظاً وحماية، حتى جعلتها ضمن الضروريات التي يجب على الجميع حمايتها، وقد تقرر عند الفقهاء: «أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان».
على أن تكريم الإنسان لا يقف عند تكريمه حياً، ويسعى لتكريمه حتى بعد مماته، بدءاً من الأمر بأن يوارى جسده في التراب: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (عبس: ٢١). وكما كرم الجسم فأقبره، راعى عرضه فستره. قال عليه الصلاة والسلام: «لا تسبّوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا» (البخاري: 1306، ومسلم: 3/48).
حق الحرية
وكما قررت المواثيق الدولية حق الحياة على النحو الذي تقدم، قررت أيضاً مبدأ حريته في اختيار ما يروقه من أفكار وأديان، وحريته فيما يتصرف فيه من الأموال، وحمته ممن يعتدي على اعتقاده أو يعتدي على ماله أو على عرضه، وكذلك نجد النصوص الدينية مقررة لهذا الحق على طريقتها من الوضوح والقوة والإعجاز.
إن الإنسان خلق مادة خاماً قبل أن تؤثر فيه المؤثرات، كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (البخاري: 1292، من حديث أبي هريرة).
وهذه المادة البشرية الخام التي خلق عليها الإنسان ليس لأحد أن يكرهها على ما لا ترضاه وتختاره في حياتها، فلا تُكره حتى على الاعتراف لربها والتصديق به، وإذا قال الله تعالى لخير البشر إنه ليس من وظيفته إكراه الناس على الإيمان وإنما إرشادهم، فغيره من باب أولى، قال تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس: ٩٩). وقال الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة آية: 256)، وهي آية نزلت لما حاول بعض الناس الذين أسلموا، ووجدوا ما في الإسلام من خير، أرادوا انتزاع أبنائهم من المدارس اليهودية حتى لا يدينوا باليهودية.
و إذا أخذنا الحرية مثلاً كقيمة وحق من حقوق الإنسان، نجد التشريع الديني حفظها وحافظ عليها، بينما ضيعها وأضاعها التشريع البشري، فصار الإنسان يسترق الإنسان، مع أن الحرية وحمايتها من المقاصد الشرعية؛ لأن الحرية كما قال الطاهر بن عاشور: «وصف فطري نشأ عليه البشر، وبه تصرفوا في أول وجودهم على الأرض حتى حدثت بينهم المزاحمة فحدث التحجير» (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص 165).
إن الحرية التي ولدت مع الإنسان، وضيعها بشروده عن الشريعة، جاء الإسلام مرة أخرى فعمل على تحرير الإنسان وفتح لذلك الأبواب على مصراعيها، ولذلك علل الإمام النسفي وجوب عتق رقبة في حق من قتل نفساً خطأً، بأنه كما «أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزِمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، من قِبَلِ أن الرقيق ملحق بالأموات، إذ الرق أثر من آثار الكفر، والكفر موت حكماً {أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} (الأنعام: 122).
إن الحرية مثلها مثل الحياة حق إلهي وهبه للناس، لا ينبغي لأحد أن يسلبها بغير حق، ومن ثم أرساها الفاروق كلمة عالية حقيقة ومجازاً وقال: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!».
ولكن الملاحظ اليوم أن الإنسان بالجملة أصبح مستعداً أكثر من ذي قبل للنظر إلى العالم ومقاربة المواضيع المقضة لمضاجعه بمنظار الدين ومقاصد الشرع.
لقد صار الإنسان المعاصر مؤمناً بعضويته في ساحة المجتمع البشري العام، يتقاسم الحقوق نفسها، ويضطلع بنفس الواجبات، مستعداً لتحمل جزء من مسؤوليته في الحفاظ على النوع من الهلاك، وصوناً لكوكب الأرض من الدمار.
وكل ذلك الذي ذكر مرتبط برجوع ملحوظ إلى التدين وفق مقاصد الشرع بقدرٍ من الحرية مؤسس خارج فعل الإكراه ومستوٍ في إطار الكلمة السواء المحققة للأمن والشاجبة لسيطرة البشر على البشر وخضوع الإنسان لما كسبت يداه.
إن استدعاء الأديان لترسيخ ثقافة وقيم حقوق الإنسان في العالم المعاصر مدعاته ذلك الرجوع إلى التدين الذي ذكرنا، ويفسر هذا لجوء كثير من المنظمات الدولية إلى الاستشهاد عن أفكارها بما يؤسس لها في النصوص المقدسة في الأديان السماوية والشرائع الفلسفية، وهذا العمل فيه إقرار بكون الأديان هي خزان القيم الخالدة الذي لا ينضب، كما أن مؤسساتها هي أنسب المؤسسات وأقواها فاعلية في التأسيس للأفكار الحية في المجتمع الإنساني.
والحديث عن دور المؤسسات الدينية في ترسيخ قيم حقوق الإنسان في منظومتنا الإسلامية يدعونا إلى التساؤل عن هذه المؤسسات الدينية التي يمكن لها القيام بهذا الدور الفاعل.
وللوهلة الأولى ينصرف الذهن إلى المؤسسات الدينية التابعة لوزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في عالمنا الإسلامي، من مساجد ومجمعات ثقافية وأندية ومكتبات ومؤسسات خيرية ومنابر إعلامية. غير أننا إذا أمعنّا النظر، وجدنا أن المؤسسة الدينية في البلد المسلم ليست تنحصر فيما ذكر فقط، إذ إن نظام الدولة وطبيعة الحكم فيها ينبثق من الإسلام بالتصريح، وعليه تتسع هذه المؤسسات الدينية في الدولة الإسلامية لتشمل كل المجالات الحياتية الواقعة تحت مراقبة ولي الأمر المسلم.
ولكي نحدد أكثر نقول: إن قيم حقوق الإنسان ترسخ في البلد المسلم عبر كل المسارات التي يحضر فيها الإسلام ويستحضر وجوباً.
وهذه القيم تُرسخ في المنظومة التربوية من خلال ما يقدم في البرامج التعليمية من قيم إسلامية تُشيع روح العدالة والتسامح وثقافة التعارف والحق بالاختلاف الفكري ..
كما أن قيم حقوق الإنسان تُعمل في البلد المسلم في مجال العدل من خلال القوانين المسنونة والحقوق المكفولة، وفي نظام الأسرة المؤسس وفق الشريعة.
وتُرسخ حقوق الإنسان نفسها في مجال الصحة وفي أنظمة الوقاية والتكافل الاجتماعي والحماية الصحية والبيئية المؤسسة وفق تعاليم الشرع الحنيف.
وهي كذلك تُرسخ في مجال المالية عبر قوانين المحافظة على المال العام، وفي أنظمة المعاملات المالية والمصرفية، وفي قوانين الصناديق التكافلية، وفي قوانين صناديق بيوت الزكاة الكافلة لاستثمار أموال الزكاة استثماراً يعم خيره فقراء البلد المسلم، بقصد توفير الكرامة لذوي الاحتياج ورفع الحوج عنهم، وفي صناديق المحافظة على أموال القاصرين وفي أنظمة التأمين.
كما أن حقوق الإنسان تُرسخ في البلد المسلم في مجال الاقتصاد في القوانين الكافلة لحرية التملك والقوانين الشاجبة للاحتكار والشاجبة لكل ما يمكن أن يُلحق الضرر بالمجتمع المسلم، أفراده وجماعاته.
وحقوق الإنسان نفسها ترسخ في المجتمع المسلم في مجال الأنظمة الاجتماعية في القوانين الكافلة لذوي الاحتياج والإعاقة والقصر وفي أنظمة التكافل.
وتُرسخ في مجال الدفاع فيما يمكن أن يسن من قوانين تجعل حق الدفاع عن الوطن وحمايته من الأضرار مهمة واجبة على كل فرد من المجتمع.
وتُرسخ في مجال الثقافة في الخطط الثقافية المتبناة، التي ينبغي أن تهدف إلى تحصين الفرد والمجتمع وتنمية قدراته الفكرية بما يخدم تمثله لمرامي حقوق الإنسان بقصد تفعيلها.
ووفق هذا التصور فإن تأسيس المصالح في المجتمع الإسلامي وحمايتها يتم أفقياً استناداً إلى الدين الإسلامي.
وهكذا يُحفظ للفرد المسلم دينُه ونفسه وعقله وعرضه وماله، وخلال هذه الأصول الخمسة تندرج حريات وترسم حقوق، فيحفظ بحفظ الدين النظام والقانون، وتحمى الحياة بحماية النفس، فيُحافَظ على البيئة، ويُجرم القتل، ويُمنع الاعتداء على الأبدان، ويتم الزجر عن انتهاك الكرامة الإنسانية في السلم والحرب.
أما في حفظ العقل، فيُكفَل الحق في التعبير والتفكير وإبداء الرأي.
وأما في حفظ العرض والنسل فيُكفل للمرء المسلم الحق في التزوج (وفق ضوابط الشرع وحدوده) والحق في التناسل والتمتع بالرعاية الأبوية، وتُجرم الإبادة وقتل النفس وإزهاق الأرواح التي حرم الله إلا بالحق. وبحفظ المال يُكفل حق الفرد في الكسب والتملك.
ونظراً لانتشار الأفكار السالبة المستغلة للدين والمؤسسة للتطرف، والتعصب، وكراهية الآخر، فقد وجب وفق الميثاق المؤسس على الشرع، الذي يرعاه ولي الأمر في البلد المسلم، حماية المجتمع الإسلامي من كل ما من شأنه مصادرة حقوق الفرد والجماعة.
وهنا يكون للمؤسسات التابعة لقطاع الشؤون الإسلامية والدعوة بالغ الأثر في تحقيق التوازن وإشاعة الفكر المعتدل الوسطي وتحصين المواطنين أفراداً وجماعات، وذلك عبر:
- دورات الوعظ والإرشاد.
- الخطب المنبرية في الجُمَع والأعياد.
- الوصلات التلفزيونية والإذاعية.
- وفي الإعلام المقروء.
لكن تعميق الوعي بحقوق الإنسان في الإسلام يتم بشكل سريع عبر «مؤسسة المسجد»، التي تشكل ميداناً يَعْمُرُه المواطنون بشكل طوعي رغبة في الثواب وبحثاً عن استقرار روحي وعن الطمأنينة، وتلبية لنداء الإيمان.
وتجدر الإشارة إلى أن ساحة المسجد ساحة مفتوحة تهوي إليها أفئدة الموطنين من أبناء البلد وغيرهم من الوافدين إليه من الأجانب الذين قُدر لهم مساكنة أهله، وكلا الفريقين معني بوعي قيم حقوق الإنسان وما توفره لهما من الواجبات ودوائر الخير.
إن الخطب المنبرية والمواعظ المقدمة داخل بيوت الله ينبغي أن تحرص على إبراز مقاصد الشرع وانعكاسات مراعاتها على حياة الأفراد والجماعة في البلد المسلم، بمعنى آخر ينبغي أن تبين للمؤمنين مصالح قيم حقوق الإنسان في الإسلام وفق نصوص الشرع الحنيف.
إن على القائمين على الشؤون الإسلامية في البلدان الإسلامية تجديد دور المسجد باعتباره مدرسة لتثقيف المسلمين وتنويرهم وتحصينهم وتعريفهم بحقوقهم التي يكفلها لهم الشرع.
وبتكامل مع مؤسسة المسجد، ينبغي الاهتمام بترسيخ قيم حقوق الإنسان في المدرسة والمناشط الدينية، وهما مكانان ينبغي فيهما التنشئة على حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، فكما أن الوعي بضرورة حقوق الإنسان يمر عبر التعريف والتحسيس، فإن التنشئة على حقوق الإنسان تقوم على التلقين والتعليم.
نصوص ذات صلة بالتربية على حقوق الإنسان
ومهما يريد المرء حصر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تزرع في المسلم التربية على حقوق الإنسان، فلن نستطيع ذلك في مثل هذه المناسبة، ولذلك حسبنا جملة منها نقبضها في هذا المقام وندعها بلا تعليق؛ لأنها ناطقة عن نفسها بنفسها -ولا غرابة في ذلك وهي وحي- وكلها تدعو وتربي على المبادئ والقيم الحقوقية.



مرسوم بقانون رقم (١٧) لسنة ٢٠١٠ بتنظيم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان
قطر نموذج عربي في مجال حقوق الإنسان
د.المري يجتمع مع مسؤولين بـ"حقوق الإنسان" البحرينية
لجنة حقوق الإنسان تنظم دورة تدريبية لدعاة وخطباء وزارة الأوقاف
قطر تدعم تعزيز ثقافة حقوق الإنسان
قطر تشارك في اجتماع لجنة حقوق الإنسان العربي

موقع معروف

صفحتنا على معروف

يسر شبكة المحامين العرب أن تعلن عن إطلاق " خدمة تحضير الأسانيد القانونية " والتى تقوم على مفهوم جديد لفلسفة الخدمة لدى الشبكة، ذلك من خلال المشاركة والتفاعل مع أعضاء الشبكة الكرام ، من خلال المساعدة في البحث وتأصيل المعلومة القانونية عبر مختصين من مستشاري الشبكة القانونيين.

أضف طلبك